فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال أعشى بني قيس بن ثَعْلبة:
أتنتهون ولا يَنْهَى ذَوِي شَطَطٍ ** كالطعن يذهب فيه الزَّيْت والفُتُلُ

وهذا البيت في قصيدة له.
قال ابن إسحاق: {هؤلاء قَوْمُنَا اتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ}.
قال ابن إسحاق: أي بحجة بالغة.
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا وَإِذِ اعتزلتموهم وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ الله فَأْوُوا إِلَى الكهف يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقًا وَتَرَى الشمس إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ اليمين وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشمال وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ} قال ابن هشام: تزاور تميل؛ وهو من الزَّور.
وقال أبو الزحف الكُلَيْبيّ يصف بلدًا:
جَدْب المُنَدَّى عن هَوانَا أزْوَرُ ** يُنْضِي المطايا خِمْسُه العَشَنْزَرُ

وهذان البيتان في أرجوزة له.
و{تقرضهم ذات الشمال} تجاوزهم وتتركهم عن شمالها.
قال ذو الرُّمّة:
إلى ظُعُن يَقْرِضن أقواز مُشْرِفٍ ** شِمالًا وعن أيْمانِهن الفوارِسُ

وهذا البيت في قصيدة له.
والفجوة: السّعة، وجمعها الفجاء.
قال الشاعر:
ألبسْتَ قومَك مَخْزاة ومنقصةً ** حتى أبِيحُوا وحَلُّوا فَجْوة الدار

{ذلك مِنْ آيَاتِ الله} أي في الحجة على من عرف ذلك من أمورهم من أهل الكتاب ممن أمر هؤلاء بمسألتك عنهم في صدق نبوّتك بتحقيق الخبر عنهم.
{مَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتد وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ اليمين وَذَاتَ الشمال وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بالوصيد} قال ابن هشام: الوصيد الباب.
قال العبسي واسمه عبد بن وهب:
بأرضِ فَلاةٍ لا يُسَدُّ وَصيدُها ** عليّ ومعروفي بها غير مُنْكَرِ

وهذا البيت في أبيات له.
والوصيد أيضًا الفناء، وجمعه وصائد ووُصُد ووصدان.
{لَوِ اطلعت عَلَيْهِمْ لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا} إلى قوله: {الذين غَلَبُواْ على أَمْرِهِمْ} أهل السلطان والملك منهم.
{لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِدًا سَيَقُولُونَ} يعني أحبار اليهود الذين أمروهم بالمسألة عنهم.
{ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بالغيب وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ} أي لا تكابرهم {إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِرًا وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَدًا} فإنهم لا علم لهم بهم.
{وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَدًا إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله واذكر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عسى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَدًا} أي لا تقولنّ لشيء سألوك عنه كما قلت في هذا إني مخبركم غدا، واستثن مشيئة الله، واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربّي لخبر ما سألتموني عنه رَشَدا، فإنك لا تدري ما أنا صانع في ذلك.
{وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا} أي سيقولون ذلك.
{قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ السماوات والأرض أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} أي لم يخف عليه شيء مما سألوك عنه.
قلت: هذا ما وقع في السيرة من خبر أصحاب الكهف ذكرناه على نَسَقه.
ويأتي خبر ذي القرنين، ثم نعود إلى أوّل السورة فنقول:
قد تقدّم معنى الحمد لله.
وزعم الأخفش والكسائيّ والفرّاء وأبو عبيد وجمهور المتأوّلين أن في أوّل هذه السورة تقديمًا وتأخيرًا، وأن المعنى: الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيّمًا ولم يجعل له عوجًا.
و{قَيِّمًا} نصب على الحال.
وقال قتادة: الكلام على سياقه من غير تقديم ولا تأخير، ومعناه: ولم يجعل له عوجًا ولكن جعلناه قيّمًا.
وقول الضحاك فيه حُسْن، وأن المعنى: مستقيم، أي مستقيم الحكمة لا خطأ فيه ولا فساد ولا تناقض.
وقيل: {قيمًا} على الكتب السابقة يصدّقها.
وقيل: {قيّمًا} بالحجج أبدًا.
{عوجًا} مفعول به؛ والعوج بكسر العين في الدين والرأي والأمر والطريق.
وبفتحها في الأجسام كالخشب والجدار؛ وقد تقدّم.
وليس في القرآن عوج، أي عيب، أي ليس متناقضًا مختلفًا، كما قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيرًا} [النساء: 82] وقيل: أي لم يجعله مخلوقًا؛ كما روي عن ابن عباس في قوله تعالى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزمر: 28] قال: غير مخلوق. وقال مقاتل: {عِوَجًا} اختلافًا.
قال الشاعر:
أدوم بودّي للصديق تكرُّمًا ** ولا خير فيمن كان في الودّ أعْوَجَا

{لِّيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا} أي لينذر محمد أو القرآن.
وفيه إضمار، أي لينذر الكافرين عقاب الله.
وهذا العذاب الشديد قد يكون في الدنيا وقد يكون في الآخرة.
{مِّن لَّدُنْهُ} أي من عنده.
وقرأ أبو بكر عن عاصم {من لدنه} بإسكان الدال وإشمامها الضم وكسر النون، والهاء موصولة بياء.
الباقون: {لدُنْهُ} بضم الدال وإسكان النون وضم الهاء.
قال الجوهري: وفي لدن ثلاث لغات: لَدُن، ولَدَى، ولَدُ.
وقال:
مِن لَدُ لِحْيَيْه إلى مُنْحُوره

المنحور لغة في المَنْحَر.
قوله تعالى: {وَيُبَشِّرَ المؤمنين الذين يَعْمَلُونَ الصالحات أَنَّ لَهُمْ} أي بأن لهم.
{أَجْرًا حَسَنًا} وهي الجنة: {مَّاكِثِينَ} دائمين.
{فِيهِ أَبَدًا} لا إلى غاية.
وإن حملت التبشير على البيان لم يحتج إلى الباء في {بأن}.
والأجر الحسن: الثواب العظيم الذي يؤدي إلى الجنة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ}.
محمد صلى الله عليه وسلم {الكتاب} أي الكتابَ الكاملَ الغنيَّ عن الوصف بالكمال المعروفِ بذلك من بين الكتبِ، الحقيقَ باختصاص اسمِ الكتابِ به، وهو عبارةٌ عن جميع القرآنِ أو عن جميع المُنْزَل حينئذ كما مر مرارًا، وفي وصفه تعالى بالموصول إشعارٌ بعلّية ما في حيز الصلةِ لاستحقاق الحمدِ وإيذانٌ بعِظم شأنِ التنزيلِ الجليلِ، كيف لا وعليه يدور فَلكُ سعادةِ الدارين، وفي التعبير عن الرسول عليه الصلاة والسلام بالعبد مضافًا إلى ضمير الجلالةِ تنبيهٌ على بلوغه عليه الصلاة والسلام إلى أعلى معارجِ العبادةِ وتشريفٌ وإشعارٌ بأن شأنَ الرسولِ أن يكون عبدًا للمرسِل لا كما زعمت النصارى في حق عيسى عليه السلام، وتأخيرُ المفعول الصريح عن الجار والمجرور مع أن حقه التقديمُ عليه ليتصل به قوله تعالى: {وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} أي شيئًا من العِوَج بنوع اختلالٍ في النظم وتَنافٍ في المعنى أو انحرافٍ عن الدعوة إلى الحق وهو في المعاني كالعِوَج في الأعيان، وأما قوله تعالى: {لاَّ ترى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا} مع كون الجبالِ من الأعيان فللدِلالة على انتفاء ما لا يُدرك من العوج بحاسة البصر، بل إنما يوقف عليه بالبصيرة بواسطة استعمالِ المقاييسِ الهندسيةِ ولمّا كان ذلك مما لا يُشعَر به بالمشاعر الظاهرةِ عُدّ من قبيل ما في المعاني، وقيل: الفتحُ في اعوجاج المنتصِبِ كالعُود والحائِط، والكسرُ في اعوجاج غيرِه عينًا كان أو معنى.
{قَيِّمًا} بالمصالح الدينيةِ والدنيويةِ للعباد على ما ينبئ عنه ما بعده من الإنذار والتبشيرِ فيكون وصفًا له بالتكميل بعد وصفِه بالكمال، أو على ما قبله من الكتب السماويةِ شاهدًا بصِحتها ومهيمنًا عليها أو متناهيًا في الاستقامة، فيكون تأكيدًا لما دل عليه نفيُ العِوج مع إفادة كونِ ذلك من صفاته الذاتيةِ اللازمةِ له حسبما تنبئ عنه الصيغةُ لا أنه نُفي عنه العوجُ مع كونه من شأنه، وانتصابُه على تقديرِ كونِ الجملةِ المتقدمةِ معطوفةً على الصلة بمضمر ينبئ عنه نفيُ العِوَج تقديرُه جعلَه قيمًا، وأما على تقدير كونها حاليةً فهو على الحالية من الكتاب إذ لا فصلَ حينئذ بين أبعاضِ المعطوفِ عليه بالمعطوف وقرئ: {قيمًا لّيُنذِرَ} متعلقٌ بأنزل والفاعلُ ضميرُ الجلالة كما في الفعلين المعطوفين عليه، والإطلاقُ عن ذكر المفعولِ الأول للإيذان بأن ما سيق له الكلامُ هو المفعولُ الثاني وأن الأولَ ظاهرٌ لا حاجةَ إلى ذكره، أي أنزل الكتابَ لينذر بما فيه الذين كفروا به {بَأْسًا} أي عذابًا {شَدِيدًا مّن لَّدُنْهُ} أي صادرًا من عنده نازلًا من قِبله بمقابلة كفرِهم وتكذيبهم، وقرئ: {من لدْنِه} بسكون الدال مع إشمام الضمةِ وكسر النونِ لالتقاء السَاكنين وكسر الهاءِ للإتباع {وَيُبَشّرُ} بالتشديد وقرئ بالتخفيف {المؤمنين} أي المصدقين به {الذين يَعْمَلُونَ الصالحات} الأعمالَ الصالحةَ التي بيّنت في تضاعيفه، وإيثارُ صيغةِ الاستقبال في الصلة للإشعار بتجدد الأعمالِ الصالحة واستمرارِها، وإجراءُ الموصولِ على موصوفه المذكورِ لما أن مدارَ قَبولِ الأعمالِ هو الإيمان {أَنَّ لَهُمْ} أي بأن لهم بمقابلة إيمانِهم وأعمالِهم المذكورة {أَجْرًا حَسَنًا} هو الجنةُ وما فيها من المثوبات الحُسنى.
{مَّاكِثِينَ} حال من الضمير المجرور في لهم {فِيهِ} أي في ذلك الأجر {أَبَدًا} من غير انتهاء أي خالدين فيه، وهو نصبٌ على الظرفية لماكثين. اهـ.

.قال الألوسي:

{الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ}.
محمد صلى الله عليه وسلم {الكتاب} الكامل الغني عن الوصف بالكمال المعروف بذلك من بين سائر الكتب الحقيق باختصاص اسم الكتاب به، وهو إما عبارة عن جميع القرآن ففيه تغليب الموجود على المترقب وإما عبارة عن جميع القرآن ففيه تغليب الموجود على المترقب وإما عبارة عن الجميع المنزل حينئذ فالأمر ظاهر.
وفي وصفه تعالى بالموصول إشعار بعلية ما في حيز الصلة لاستحقاق الحمد الدال عليه اللام على ما صرح به ابن هشام وغيره وإيذان بعظم شأن التنزيل الجليل كيف لا وهو الهادي إلى الكمال الممكن في جانبي العلم والعمل وفي التعبير عن الرسول صلى الله عليه وسلم بالعبد مضافًا إلى ضميره تعالى من الإشارة إلى تعظيمه عليه الصلاة والسلام، وكذا تعظيم المنزل عليه ما فيه، وفيه أيضًا إشعار بأن شأن الرسول أن يكون عبدًا للمرسل لا كما زعمت النصارى في حق عيسى عليه السلام وتأخير المفعول الصريح عن الجار والمجرور مع أن حقه التقديم عليه ليتصل به قوله تعالى: {وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ} أي للكتاب {عِوَجَا} أي شيئًا من العوج باختلال اللفظ من جهة الأعراب ومخالفة الفصاحة وتناقض المعنى وكونه مشتملًا على ما ليس بحق أو داعيًا لغير الله تعالى والعوج وكذا العوج الانحراف والميل عن الاستقامة إلا أنه قيل هو بكسر العين ما يدرك بفتح العين وبفتح العين ما يدرك بفتح العين فالأول الانحراف عن الاستقامة المعنوية التي تدرك بالبصيرة كعوج الدين والكلام، والثاني الانحراف عن الاستقامة الحسية التي تدرك بالبصر كعوج الحائط.
والعود وأورد عليه قوله تعالى في شأن الأرض {لاَّ ترى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا} [طه: 107] فإن الأرض محسوسة وإعوجاجها وكذا استقامتها مما يدرك بالبصر فكان ينبغي على ما ذكر فتح العين، وأجيب بأنه لما أريد به هنا ما خفي من الاعوجاج حتى احتاج إثباته إلى المقاييس الهندسية المحتاجة إلى أعمال البصيرة الحق بما هو عقلي صرف فأطلق عليه ذلك لذلك وتعقب بأن لا ترى ظاهر في أن المنفي ما يدرك بالبصر فيحتاج إلى أن يراد به الإدراك، وعن ابن السكيت أن المكسور أعم من المفتوح.
واختار المرزوقي في شرح الفصيح أنه لا فرق بينهما.
{قَيِّمًا} أي مستقيمًا كما أخرجه ابن المنذر عن الضحاك وروى أيضًا عن ابن عباس، والمراد مما قبل أنه لا خلل في لفظه ولا في معناه، والمراد من هذا أنه معتدل لا إفراط فيما اشتمل عليه من التكاليف حتى يشق على العباد ولا تفريط فيه بأهمال ما يحتاج إليه حتى يحتاج إلى كتاب آخر كما قال سبحانه: {مَّا فَرَّطْنَا في الكتاب مِن شَيْء} [الأنعام: 38] ولذا كان آخر الكتب المنزل على خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام، وقيل المراد منه ما أريد مما قبله وذكره للتأكيد.
وقال الفراء: المراد قيمًا على سائر الكتب السماوية شاهدًا بصحتها.
وقال أبو مسلم: المراد قيمًا بمصالح العباد متكفلًا بها وببيانها لهم لاشتماله على ما ينتظم به المعاش والمعاد وهو على هذين القولين تأسيس أيضًا لا تأكيد فكأنه قيل كاتبًا صادقًا في نفسه مصدقًا لغيره أو كتابًا خاليًا عن النقائض حاليًا بالفضائل وقيل المراد على الأخير أنه كامل في نفسه ومكمل لغيره، ونصبه بمضمر أي جعله قيمًا على أن الجملة مستأنفة أو جعله قيمًا على أنها معطوفة على ما قبل إلا أنه قيل إن حذف حرف العطف مع المعطوف تكلفّ؛ وكان حفص يسكت على {عِوَجَا} سكتة خفيفة ثم يقول: {قَيِّمًا}. واختار غير واحد أنه على الحال من الضمير في {لَهُ} [الكهف: 1] أي لم يجعل له عوجًا حال كونه مستقيمًا ولا عوج فيه على ما سمعت أولًا من معنى المستقيم إذ محصله أنه تعالى صانه عن الخلل في اللفظ والمعنى حال كونه خاليًا عن الإفراط والتفريط، وكذا على القولين الأخيرين، نعم قيل: إن جعله حالا من الضمير مع تفسير المستقيم بالخالي عن العوج ركيك. وتعقبه بعضهم بأنه تندفع الركاكة بالحمل على الحال المؤكدة كما في قوله تعالى: {ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} [التوبة: 25] وفيه بحث، وجوز أن يكون حالا من الكتاب، واعترض بأنه يلزم حينئذ العطف قبل تمام الصلة لأن الحال بمنزلة جزء منها، وأجيب بأنه يجوز أن يجعل {وَلَمْ يَجْعَل} [الكهف: 1] إلخ من تتمة الصلة الأولى على أنه عطف بياني حيث قال تعالى: {أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب} [الكهف: 1] الكامل في بابه عقبه بقوله سبحانه: {وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} [الكهف: 1] فحينئذ لا يكون الفصل قبل تمام الصلة، وهو نظير قوله تعالى: {وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ الله وَكُفْرٌ بِهِ والمسجد الحرام} [البقرة: 217] وعلى قول. وأيضًا يجوز أن يكون الواو في {وَلَمْ يَجْعَل} [الكهف: 1] للحال والجملة بعده حال من {الكتاب} [الكهف: 1] كقيما واختاره الأصبهاني.